هل يأجوج ومأجوج من بني آدم؟ أين موقعهم الحالي وما دورهم فيه؟

×

ماذا عن قوم يأجوج ومأجوج، هل هم من ولد آدم، من نسله وذريته،

تعالوا نعرف ما ورد فى التراث الإسلامى عن هذه الجماعة

التى وردت إشارة إليها فى القرآن الكريم.

هم من ذرية آدم بلا خلاف نعلمه، ثم الدليل على ذلك ما ثبت فى

الصحيحين من طريق الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول الله ﷺ:

 

“يقول الله تعالى يوم القيامة يا آدم،

فيقول لبيك وسعديك والخبر فى يديك، قم فابعث بعث النار من ذريتك.

فيقول: يا رب وما بعث النار؟

فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار،

وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها،

وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

قال فاشتد ذلك عليهم.

قالوا: يا رسول الله: أينا ذلك الواحد ؟

فقال رسول الله ﷺ: أبشروا فإن منكم واحدا، ومن يأجوج ومأجوج ألفا.

وفى رواية:

” فقال ابشروا فإن فيكم أمتين ما كانتا فى شىء إلا كثرتاه

” أى: غلبتاه كثرة، وهذا يدل على كثرتهم، وأنهم أضعاف الناس مرارا عديدة، ثم هم من ذرية نوح، لأن الله تعالى أخبر أنه استجاب لعبده نوح فى دعائه على أهل الأرض بقوله: “رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارا” “نوح: 26”.

 

وقال تعالى: “فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ” “العنكبوت: 15”

 

وقال: “وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ” الصافات: 77″.

 

وتقدم فى الحديث المروى فى المسند والسنن: أن نوحا ولد له ثلاثة، وهم:

سام، وحام، ويافث، فسام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك ؛

فيأجوج ومأجوج طائفة من الترك، وهم مغل المغول، وهم أشد بأسا وأكثر فسادا

من هؤلاء، ونسبتهم إليهم كنسبة هؤلاء إلى غيرهم. وقد قيل: إن الترك إنما سموا

بذلك حين بنى ذو القرنين السد وألجأ يأجوج ومأجوج إلى ما وراءه، فبقيت منهم طائفة

لم يكن عندهم كفسادهم، فتركوا من ورائه، فلهذا قيل لهم: الترك.

ومن زعم أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين احتلم، فاختلطت بتراب، فخلقوا

من ذلك، وأنهم ليسوا من حواء، فهو قول حكاه الشيخ أبو زكريا النووى فى شرح

مسلم وغيره وضعفوه، وهو جدير بذلك، إذ لا دليل عليه، بل هو مخالف

لما ذكرناه من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن.

وهكذا من زعم أنهم على أشكال مختلفة وأطوال متباينة جدا ؛ فمنهم من

هو كالنخلة السحوق، ومنهم من هو غاية فى القصر، ومنهم من يفترش

أذنا من أذنيه ويتغطى بالأخرى، فكل هذه أقوال بلا دليل، ورجم

بالغيب بغير برهان، والصحيح أنهم من بنى آدم وعلى أشكالهم وصفاتهم.

وقد قال النبى ﷺ:

” إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا” ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن.

وهذا فيصل فى هذا الباب وغيره. وما قيل من أن أحدهم لا يموت حتى يرى من ذريته ألفا.

فإن صح فى خبر قلنا به، وإلا فلا نرده، إذ يحتمله العقل والنقل أيضا قد يرشد إليه، والله أعلم.

بل قد ورد حديث مصرح بذلك أن صح، قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس

الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة،

عن مسلم، عن أبى إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو، عن النبى ﷺ قال:

” إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معائشهم،

ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا، وإن من وارئهم

ثلاث أمم: تاويل، وتاريس، ومنسك “.

وهو حديث غريب جدا، وإسناده ضعيف، وفيه نكارة شديدة.

وأما الحديث الذى ذكره ابن جرير فى تاريخه أن رسول الله ﷺ ذهب إليهم ليلة الإسراء،

فدعاهم إلى الله فامتنعوا من إجابته ومتابعته، وأنه دعا تلك الأمم التى هناك

(تاريس، وتاويل، ومنسك) فأجابوه، فهو حديث موضوع، اختلقه أبو نعيم عمرو

بن الصبح، أحد الكذابين الكبار الذين اعترفوا بوضع الحديث، والله أعلم.

فإن قيل: فكيف دلَّ الحديث المتفق عليه أنهم فداء المؤمنين يوم القيامة،

وأنهم فى النار ولم يبعث إليهم رسل، وقد قال الله تعالى:

“وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا”

فالجواب أنهم لا يعذبون إلا بعد قيام الحجة عليهم والأعذار إليهم،

كما قال تعالى: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا” الإسراء: 15.

فإن كانوا فى زمن الذى قبل بعث محمد ﷺ قد أتتهم رسل منهم،

فقد قامت على أولئك الحجة، وإن لم يكن قد بعث الله إليهم رسلا

فهم فى حكم أهل الفترة ومن لم تبلغه الدعوة.

وقد دل الحديث المروى من طرق عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله ﷺ:

” إن من كان كذلك، يمتحن فى عرصات القيامة، فمن أجاب الداعى دخل الجنة، ومن أبى دخل النار”.

وقد أوردنا الحديث بطرق وألفاظه وكلام الأئمة عليه عند قوله: “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا “.

وقد حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعرى إجماعا عن أهل السنة والجماعة،

وامتحانهم لا يقتضى نجاتهم، ولا ينافى الأخبار عنهم بأنهم من

أهل النار، لأن الله يطلع رسوله ﷺ على ما يشاء من أمر الغيب.